وجوه الجوع والدمار على الورق والكرتون.. معرض فني يروي معاناة غزة في أوروبا

رسَم الفنان الفلسطيني المقيم في قطاع غزة أحمد مهنا مشاهد من الحياة في القطاع على صناديق كرتون من برنامج الأغذية العالمي، يعرضها في مختلف أنحاء أوروبا، وأحدث محطاتها العاصمة الدنماركية كوبنهاغن.

وقال مهنا، بحسب برنامج الأغذية العالمي الذي تمكن من إخراج 40 من أعماله من قطاع غزة المحاصر والمدمر وعرضها في أوروبا، إنه اختار هذه الطريقة للتعبير الفنيّ عن الحرب التي يعيشها، مستخدما تلك الصناديق التي لم تكن معروفة في غزة من قبل.

وأصبحت صناديق برنامج الأغذية العالمي البيضاء المكتوب عليها بالأزرق بمثابة "طوق نجاة للعائلات"هناك، بحسب الناطقة باسم البرنامج علياء زكي التي حضرت افتتاح المعرض في العاصمة الدنماركية.

وأضافت زكي، وفقا لوكالة فرانس برس، أن هذه الصناديق التي يُعاد تدويرها أيضا أو تُستخدم كوقود، "أضحت رمزا حقيقيا للصعوبات والحرب".

ألوان من النباتات 

من خلال الرسوم المختارة، ومن بينها مثلا طفل مصاب على رأسه ضمادة ملطخة بالدماء، وامرأة تخبز، شاء أحمد مهنا أن تكون صناديق الكرتون "مرتبطة" بيوميات الحرب.

وقال لبرنامج الأغذية العالمي "حاولتُ ربط قطعة الأمل هذه بالألم الذي يعانيه شعبي هنا في قطاع غزة".

فعلى الصناديق، يعبّر هذا الرسام البالغ 40 عاما عن "مشاهد الألم والمعاناة، سواء للأطفال أو كبار السن أو النساء".

وأضاف: "وثّقتُ ما عشناه خلال هذه الحرب، من المجاعة إلى محاولات الحصول على الطعام والماء، وما زلتُ أفعل ذلك".

وفي ظل القيود المستمرة، عليه أن يستخدم خياله لمواصلة الرسم.

وتابع قائلا "استهلكتُ معظم المواد التي كانت لديّ، لذلك بدأتُ بالرسم على الورق باستخدام ألوان مصنوعة من النباتات، أو من بقايا فنجان قهوة أو نسكافيه".

وأقام مهنا الذي درس الفنون الجميلة في جامعة الأقصى في غزة ورش عمل للعلاج النفسي والانفعالي من خلال الفنون للأطفال الفلسطينيين.

وفيما يقبع مهنا في القطاع المحاصر عاجزا عن السفر، تجول أعماله بين المدن الأوروبية، وهي المرة الأولى التي تُعرض خارج غزة.

تأثيرا قوياً

ويترك معرضه المموَّل من برنامج الأغذية العالمي والاتحاد الأوروبي "تأثيرا قويا"، على حد قول راندي بيورندال جنسن التي حضرت لمشاهدة لوحاته في كوبنهاغن قبل عرضها في ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا.

ولاحظت علياء زكي أن "اللوحات والعناصر البصرية مؤثرة جدا وحزينة، لكنها نابضة بالأمل أيضا".

غزة تحت الحصار والحرب

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية قسوة في العالم. القطاع، الممتد على شريط ساحلي ضيق، تحوّل إلى مكان شبه معزول عن العالم الخارجي بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عام 2007، والذي اشتد قسوته مع موجات التصعيد العسكري المتكررة.

تسببت الغارات المتواصلة وتدمير البنية التحتية في كارثة إنسانية غير مسبوقة. وفق بيانات الأمم المتحدة، نزح أكثر من 70 في المئة من سكان القطاع قسرًا من منازلهم، ليقيموا في مدارس أو مراكز إيواء مكتظة، بينما يعيش آخرون في خيام مؤقتة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.

الأزمة الغذائية تُعد من أبرز تداعيات هذا الوضع حيث تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية إلى أن الغالبية العظمى من العائلات في غزة تواجه انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، فيما يعاني الأطفال من سوء تغذية متفاقم، والنقص الحاد في الوقود والكهرباء والمياه الصالحة للشرب جعل الحياة اليومية أشبه بصراع دائم من أجل البقاء، حيث تضطر العائلات إلى استخدام مياه ملوثة أو تقنين استهلاكها بشكل حاد.

الوضع الصحي لا يقل مأساوية فالمستشفيات والمرافق الطبية تكافح للاستمرار وسط نقص الأدوية والمعدات وانقطاع الكهرباء، وآلاف الجرحى لا يحصلون على الرعاية اللازمة، بينما يواجه مرضى السرطان والفشل الكلوي وأصحاب الأمراض المزمنة خطر الموت بسبب انعدام العلاج.

إلى جانب الدمار المادي، يعيش سكان غزة صدمة نفسية جماعية، وتؤكد تقارير منظمات دولية، بينها اليونيسف ومنظمة العفو الدولية، أن الأطفال على وجه الخصوص يعانون من اضطرابات حادة نتيجة مشاهد القصف والنزوح المستمر وفقدان الأحبة، وهذا الواقع دفع بعض النشطاء والفنانين، مثل أحمد مهنا، إلى تحويل الفن إلى أداة للمقاومة النفسية وإعادة بناء الأمل.

وبينما تواصل منظمات الإغاثة الدولية تقديم المساعدات، تبقى القيود على دخول الإمدادات والمواد الأساسية أحد أكبر التحديات، وحتى تلك الصناديق البيضاء من برنامج الأغذية العالمي التي تحوّلت إلى لوحات فنية في يد مهنا، تبقى شاهدة على حجم المعاناة، ورمزًا مزدوجًا للجوع والصمود في آن واحد.